شبهة صلاة التراويح
ومنها أن عمر أحدث في الدين ما لم يكن منه كصلاة التراويح وإقامتها بالجماعة ، فإنها بدعة كما أعترف هو بذلك ، وكل بدعة ضلالة . وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد عليه )) .
والجواب أنه قد ثبت عند أهل السنة بأحاديث مشهورة متواترة أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلة التراويح بالجماعة مع الصحابة ثلاث ليالي من رمضان جماعة ولم يخرج في الليلة الرابعة وقال (( إني خشيت أن تفرض عليكم )) فلما زال هذا المحذور بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم أحيى عمر هذه السنة السنية.
وقد ثبت في أصول الفريقين أن (( الحكم إذا كان معللاً بعلة نص الشارع يرتفع ذلك الحكم إذا زالت العلة )) وأعترف عمر بكونها بدعة حيث قال (( نعمت البدعة هي )) فمراده أن المواظبة عليها بالجماعة شئ حديث لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وما ثبت في زمن الخلفاء الراشدين والأئمة المطهرين مما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يسمى بدعة ، ولو سميت بدعة فهي حسنة ، والحديث مخصوص بإحداث ما لم يكن له اصل في الشرع .أما أن لا يعتقد أهل السنة بدعية ما أحدثه عمر فلقوله صلى الله عليه وآله وسلم (( ومن يعش منكم بعدي فسيرى أختلافاً كثيراً ، فعليك بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ )) والله سبحانه الهادي .
مقال آخر في صلاة التراويح.
لقد كثر القول حول قضية (صلاة التراويح) ، وقد أكثر البعض من القول بأن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه هو شيخ المبتدعة واستندوا على قول سيدنا (عمر) : (نعم البدعة حسنت) ، وذلك عندما وحّد الناس على إمام واحد ، والحديث رواه البخاري وإليك نصه :
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصلاةِ قَارِئِهِمْ قَالَ عُمَرُ نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ) (البخاري برقم 1871 ) .
ولنا مع هذا الأمر وقفات لا بد منها :
أولاً : ماهو تعريف البدعة ؟؟ .
الجواب : هي كل عمل ديني تعبدي تتقرب به إلى الله لم يكن على هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنته ، أي كل عمل تفعله وتظن أنه يقربك إلى الله ولم يفعله النبي ولا أصحابه الكرام.
ثانياً : قبل أن نحكم على فعل عمر رضي الله عنه وأرضاه من التعريف السابق لنا أن نسأل أنفسنا سؤال ، هل كانت صلاة التراويح على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
والجواب : نعم فهذا أمر وصل إلينا بالتواتر ، وهو أنه عليه الصلاة والسلام قد صلى صلاة التراويح في المسجد ، فلما كان اليوم التالي ، صلى خلفه بعض الصحابة ، فلما كان اليوم الثالث صلى خلفه صحابة أكثر من قبل ، فلما كان اليوم الرابع ازدحم المسجد ، ولم يعد يتسع للمصلين ، فخشي النبي أن يظن الناس أن هذه الصلاة فرض ، فأرشدهم إلى أن يصلوا في بيوتهم ، وما دام الأمر كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد فعله النبي ، فلا يعد بدعة .
ثالثاً : لماذا جمع سيدنا عمر رضي الله عنه الناس على إمام واحد وقارئ واحد ؟
والجواب : لمَّا خشي النبي أن يظن الناس بأن صلاة التراويح فرضاً ، لم يعد يصليها في المسجد، وأرشدهم إلى أن يصلوا في بيوتهم ، خشية هذا الظن ، فلما استقر الأمر، واستيقن الناس أن هذه الصلاة سنة لا فرض ، وزال الخوف ، وعندما رأي سيدنا عمر مجموعات من الناس يصلون كل مجموعة خلف إمام وبدأ كل قارئ يشوش على الآخر ، هنا جمعهم سيدنا عمر على قارئ واحد ، حتى لا يشوشوا على بعضهم البعض .
رابعاً : لماذا تفرَّد سيدنا عمر بجمع الناس على قارئ واحد ، ولم يسبقه إلى ذلك أحد ؟ . مع أنه الخليفة الثاني ، فلماذا لم يفعل هذا الأمر سيدنا أبو بكر رضي الله عنه
والجواب : أولاً سبب عدم فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد بيناه فيما سبق ، ولم يبق قبل عمر إلا أبو بكر رضي الله عنهما فأقول إن أبا بكر لم تطل خلافته فقد عاش بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنتين وبضعة أشهر ، وكانت خلافته أول خلافة في الإسلام ، وكلنا يعلم ما جرى فيها من إرهاصات وحروب ردة وقتال الروم والفرس ، فقد كن رضي الله عنه مشغولاً بمقاتلة المرتدين ، وكانوا معظم العرب ، كما كان مشغولاً بقتال الروم والفرس وهو أول من فتح جبهات معهما ، وبدأ بالفتح الإسلامي في الشام والعراق ، وهو كما ذكرت قد حضر رمضانين فقط بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم يكن متفرغاً لهذا الأمر ، وهو أمر مندوب وليس فرضاً ، بل كان يركز على إحياء الفرائض والمحافظة عليها ، كما شاهدنا كيف قاتل مانعي الزكاة ، لأن الزكاة فرض .
إذاً فعهد أبي بكر يستوجب التركيز على الفرائض ، والمحافظة على كل ما أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد فعل ذلك بكل ما أوتي من قوة وعزم . فلم يكن يخطر بباله هذا الأمر لقصر المدة ، ولظروفها المليئة بالحروب ، والحفاظ على دين الإسلام في شبه الجزيرة ، ولأن غاية الأمر أنه مندوب وليس فرضاً .
خامساً : لماذا قال سيدنا عمر : (نعم البدعة هذه ) ؟ .
الجواب : أنه قالها من باب التعريض ، والتنبيه ، إلى من تسول له نفسه ، ويظن سوءً أن فعل عمر هذا بدعة ، فأراد بقوله : إن كان هذا الأمر بدعة في ظن من يظن ذلك فنعم البدعة إذن ، ومعنى ذلك أن هذا ليس بدعة ، وهذا نظير ما قصده الإمام الشافعي في قوله:
إن كان رفضاً حبُّ آل محمدٍ فليشهد الثقلان بأني رافضي
فهو يقصد أنه ليس بالضرورة أن كل من يحب آل بيت النبي هو رافضي ، وهذا هو المعنى المطلوب ،
سادساً : لو كان سيدنا عمر مبتدعاً ، لما تمنى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أن يلقى الله بعمله .
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وضع عمر رضي الله عنه على سريره (أي نعشه بعد موته) ، فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع ، وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي ، فإذا علي بن أبي طالب ، فترحم على عمر وقال : ما خلفت أحداً أحبَّ إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ( يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر رضي الله عنه ) ، وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلتُ أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر).(رواه البخاري برقم:3685).
سابعاً : لو كان هذا الأمر بدعة لماذا سكت الصحابة عنها ، ولماذا وافقوه عليها، وهل يرضى أبي بن كعب رضي الله عنه أن يكون إمام بدعة، ومن المعلوم أن الله أمر نبيه أن يقرأ سورة البينة ، فقال له النبي : إن الله أمرني أن أقرأ عليك ، لم يكن الذين كفروا، (يعني سورة البينة) ، قال وسمَّاني ؟ ، قال نعم ، فبكى ) (رواه البخاري ، برقم : 3809).
هذا هو الصحابي الجليل أبي بن كعب ، أيعقل أن يكون إمام صلاة ابتدعها عمر ؟
ثامناً : ربَّ قائلٍ غير منصف يقول: إن عمر ابتدع الصلاة ، والصحابة هابوه وجاملوه وخافوا منه فوافقوه على هذه البدعة وحاشاهم ذلك . للرد نقول لهم :
إن كان الأمر كما تزعمون لماذا بقيت صلاة الترويح على نفس الصورة بعد موته ، هل خاف الصحابة منه حتى بعد موته ، ومن المعلوم أن هذه الصلاة بقيت ماضية في عهد سينا عثمان وسيدنا علي رضي الله عنهما أنقول إنهم استمروا على البدعة التي ابتدعها عمر؟
أيقول هذا الكلام عاقل ؟ ، حاشا وألف كلا أن يكون سيدنا عثمان وسيدنا علي وباقي أصحاب رسول الله متفقون على إبقاء بدعة ما .
رد آخر على القول:لماذا تقبلون قيام عمر ابن الخطاب بابتداع صلاة التراويح ؟
الـردّ :
عمر رضي الله عنه لم يَبتدِع صلاة التراويح ، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاّها ، فصلّى بالناس في رمضان ، يومين أو ثلاثة وصلّى بصلاته أُناس من أصحابه إلا أنه عليه الصلاة والسلام تَرَكها خشية أن تُفرض على أمّته .
فقد روى البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلّى في المسجد ذات ليلة فصلّى بصلاته ناس ، ثم صلى من القابلة فكثُر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما أصبح قال : قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفْرَض عليكم . قال وذلك في رمضان .
وفي رواية للبخاري ومسلم : أن رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم خـرج من جـوف الليل فصلى في المسجـد فصلى رجال بصلاته ، فأصبح الناس يتحدثون بذلك ، فاجتمع أكثر منهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته ، فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة ، فخرج فصلوا بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطفق رجال منهم يقولون الصلاة ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى خرج لصلاة الفجر ، فلما قضى الفجر أقبل على الناس ، ثم تشهد ، فقال : أما بعد : فإنه لم يخفَ علي شأنكم الليلة ، ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل ، فتعجزوا عنها .
وهذا مِنْ رحمته صلى الله عليه وآله وسلم بأمته ، فهو صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم ، كما وَصَفَه ربُّه بذلك .
ولم يَتركها الناس ، فقد كانوا يُصلّون التراويح والقيام في رمضان ، إلا أنهم كانوا يُصلونها أوزاعاً مُتفرّقين .
روى البخاري عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي ابن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر : نعم البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون . يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله .
قال الإمام الزهري في التراويح : فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأمر على ذلك ، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنهما .
فكل الذي صَنَعه عمر رضي الله عنه أن جَمَع ما تفرّق ، ولم يُشرِّع ابتداء .
فَعُمَر رضي الله عنه لم يكن منه إلا أنه أحيا الأمر الأول ، وجَمَع الناس على إمام واحد بدل الفرقة والاختلاف ، فهل فِعل عُمر الذي يُعد عند العقلاء مَدْحاً صار عند هؤلاء قَدْحاً ؟!
قال ابن عبد البر : لم يَسُنّ عمر إلا ما رضيه صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يمنعه من المواظبة عليه إلا خشية أن يُفرض على أمته ، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، فلما عَلِمَ عمر ذلك مِنْ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعَلِمَ أن الفرائض لا يُزاد فيها ولا يُنقص منها بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم أقامها للناس وأحياها ، وأَمَرَ بـها وذلك سنة أربعة عشرة من الهجرة ، وذلك شيءٌ ذخره الله له وفضّله به . اهـ .
قال ابن رجب - في قول عمر رضي الله عنه : نعم البدعة هذه - : وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع ؛ فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية ، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لمـا جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال : نعمت البدعة هذه . اهـ .
ومنها أن عمر أحدث في الدين ما لم يكن منه كصلاة التراويح وإقامتها بالجماعة ، فإنها بدعة كما أعترف هو بذلك ، وكل بدعة ضلالة . وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد عليه )) .
والجواب أنه قد ثبت عند أهل السنة بأحاديث مشهورة متواترة أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلة التراويح بالجماعة مع الصحابة ثلاث ليالي من رمضان جماعة ولم يخرج في الليلة الرابعة وقال (( إني خشيت أن تفرض عليكم )) فلما زال هذا المحذور بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم أحيى عمر هذه السنة السنية.
وقد ثبت في أصول الفريقين أن (( الحكم إذا كان معللاً بعلة نص الشارع يرتفع ذلك الحكم إذا زالت العلة )) وأعترف عمر بكونها بدعة حيث قال (( نعمت البدعة هي )) فمراده أن المواظبة عليها بالجماعة شئ حديث لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وما ثبت في زمن الخلفاء الراشدين والأئمة المطهرين مما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يسمى بدعة ، ولو سميت بدعة فهي حسنة ، والحديث مخصوص بإحداث ما لم يكن له اصل في الشرع .أما أن لا يعتقد أهل السنة بدعية ما أحدثه عمر فلقوله صلى الله عليه وآله وسلم (( ومن يعش منكم بعدي فسيرى أختلافاً كثيراً ، فعليك بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ )) والله سبحانه الهادي .
مقال آخر في صلاة التراويح.
لقد كثر القول حول قضية (صلاة التراويح) ، وقد أكثر البعض من القول بأن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه هو شيخ المبتدعة واستندوا على قول سيدنا (عمر) : (نعم البدعة حسنت) ، وذلك عندما وحّد الناس على إمام واحد ، والحديث رواه البخاري وإليك نصه :
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصلاةِ قَارِئِهِمْ قَالَ عُمَرُ نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ) (البخاري برقم 1871 ) .
ولنا مع هذا الأمر وقفات لا بد منها :
أولاً : ماهو تعريف البدعة ؟؟ .
الجواب : هي كل عمل ديني تعبدي تتقرب به إلى الله لم يكن على هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنته ، أي كل عمل تفعله وتظن أنه يقربك إلى الله ولم يفعله النبي ولا أصحابه الكرام.
ثانياً : قبل أن نحكم على فعل عمر رضي الله عنه وأرضاه من التعريف السابق لنا أن نسأل أنفسنا سؤال ، هل كانت صلاة التراويح على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
والجواب : نعم فهذا أمر وصل إلينا بالتواتر ، وهو أنه عليه الصلاة والسلام قد صلى صلاة التراويح في المسجد ، فلما كان اليوم التالي ، صلى خلفه بعض الصحابة ، فلما كان اليوم الثالث صلى خلفه صحابة أكثر من قبل ، فلما كان اليوم الرابع ازدحم المسجد ، ولم يعد يتسع للمصلين ، فخشي النبي أن يظن الناس أن هذه الصلاة فرض ، فأرشدهم إلى أن يصلوا في بيوتهم ، وما دام الأمر كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد فعله النبي ، فلا يعد بدعة .
ثالثاً : لماذا جمع سيدنا عمر رضي الله عنه الناس على إمام واحد وقارئ واحد ؟
والجواب : لمَّا خشي النبي أن يظن الناس بأن صلاة التراويح فرضاً ، لم يعد يصليها في المسجد، وأرشدهم إلى أن يصلوا في بيوتهم ، خشية هذا الظن ، فلما استقر الأمر، واستيقن الناس أن هذه الصلاة سنة لا فرض ، وزال الخوف ، وعندما رأي سيدنا عمر مجموعات من الناس يصلون كل مجموعة خلف إمام وبدأ كل قارئ يشوش على الآخر ، هنا جمعهم سيدنا عمر على قارئ واحد ، حتى لا يشوشوا على بعضهم البعض .
رابعاً : لماذا تفرَّد سيدنا عمر بجمع الناس على قارئ واحد ، ولم يسبقه إلى ذلك أحد ؟ . مع أنه الخليفة الثاني ، فلماذا لم يفعل هذا الأمر سيدنا أبو بكر رضي الله عنه
والجواب : أولاً سبب عدم فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد بيناه فيما سبق ، ولم يبق قبل عمر إلا أبو بكر رضي الله عنهما فأقول إن أبا بكر لم تطل خلافته فقد عاش بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنتين وبضعة أشهر ، وكانت خلافته أول خلافة في الإسلام ، وكلنا يعلم ما جرى فيها من إرهاصات وحروب ردة وقتال الروم والفرس ، فقد كن رضي الله عنه مشغولاً بمقاتلة المرتدين ، وكانوا معظم العرب ، كما كان مشغولاً بقتال الروم والفرس وهو أول من فتح جبهات معهما ، وبدأ بالفتح الإسلامي في الشام والعراق ، وهو كما ذكرت قد حضر رمضانين فقط بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم يكن متفرغاً لهذا الأمر ، وهو أمر مندوب وليس فرضاً ، بل كان يركز على إحياء الفرائض والمحافظة عليها ، كما شاهدنا كيف قاتل مانعي الزكاة ، لأن الزكاة فرض .
إذاً فعهد أبي بكر يستوجب التركيز على الفرائض ، والمحافظة على كل ما أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد فعل ذلك بكل ما أوتي من قوة وعزم . فلم يكن يخطر بباله هذا الأمر لقصر المدة ، ولظروفها المليئة بالحروب ، والحفاظ على دين الإسلام في شبه الجزيرة ، ولأن غاية الأمر أنه مندوب وليس فرضاً .
خامساً : لماذا قال سيدنا عمر : (نعم البدعة هذه ) ؟ .
الجواب : أنه قالها من باب التعريض ، والتنبيه ، إلى من تسول له نفسه ، ويظن سوءً أن فعل عمر هذا بدعة ، فأراد بقوله : إن كان هذا الأمر بدعة في ظن من يظن ذلك فنعم البدعة إذن ، ومعنى ذلك أن هذا ليس بدعة ، وهذا نظير ما قصده الإمام الشافعي في قوله:
إن كان رفضاً حبُّ آل محمدٍ فليشهد الثقلان بأني رافضي
فهو يقصد أنه ليس بالضرورة أن كل من يحب آل بيت النبي هو رافضي ، وهذا هو المعنى المطلوب ،
سادساً : لو كان سيدنا عمر مبتدعاً ، لما تمنى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أن يلقى الله بعمله .
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وضع عمر رضي الله عنه على سريره (أي نعشه بعد موته) ، فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع ، وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي ، فإذا علي بن أبي طالب ، فترحم على عمر وقال : ما خلفت أحداً أحبَّ إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ( يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر رضي الله عنه ) ، وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلتُ أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر).(رواه البخاري برقم:3685).
سابعاً : لو كان هذا الأمر بدعة لماذا سكت الصحابة عنها ، ولماذا وافقوه عليها، وهل يرضى أبي بن كعب رضي الله عنه أن يكون إمام بدعة، ومن المعلوم أن الله أمر نبيه أن يقرأ سورة البينة ، فقال له النبي : إن الله أمرني أن أقرأ عليك ، لم يكن الذين كفروا، (يعني سورة البينة) ، قال وسمَّاني ؟ ، قال نعم ، فبكى ) (رواه البخاري ، برقم : 3809).
هذا هو الصحابي الجليل أبي بن كعب ، أيعقل أن يكون إمام صلاة ابتدعها عمر ؟
ثامناً : ربَّ قائلٍ غير منصف يقول: إن عمر ابتدع الصلاة ، والصحابة هابوه وجاملوه وخافوا منه فوافقوه على هذه البدعة وحاشاهم ذلك . للرد نقول لهم :
إن كان الأمر كما تزعمون لماذا بقيت صلاة الترويح على نفس الصورة بعد موته ، هل خاف الصحابة منه حتى بعد موته ، ومن المعلوم أن هذه الصلاة بقيت ماضية في عهد سينا عثمان وسيدنا علي رضي الله عنهما أنقول إنهم استمروا على البدعة التي ابتدعها عمر؟
أيقول هذا الكلام عاقل ؟ ، حاشا وألف كلا أن يكون سيدنا عثمان وسيدنا علي وباقي أصحاب رسول الله متفقون على إبقاء بدعة ما .
رد آخر على القول:لماذا تقبلون قيام عمر ابن الخطاب بابتداع صلاة التراويح ؟
الـردّ :
عمر رضي الله عنه لم يَبتدِع صلاة التراويح ، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاّها ، فصلّى بالناس في رمضان ، يومين أو ثلاثة وصلّى بصلاته أُناس من أصحابه إلا أنه عليه الصلاة والسلام تَرَكها خشية أن تُفرض على أمّته .
فقد روى البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلّى في المسجد ذات ليلة فصلّى بصلاته ناس ، ثم صلى من القابلة فكثُر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما أصبح قال : قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفْرَض عليكم . قال وذلك في رمضان .
وفي رواية للبخاري ومسلم : أن رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم خـرج من جـوف الليل فصلى في المسجـد فصلى رجال بصلاته ، فأصبح الناس يتحدثون بذلك ، فاجتمع أكثر منهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته ، فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة ، فخرج فصلوا بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطفق رجال منهم يقولون الصلاة ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى خرج لصلاة الفجر ، فلما قضى الفجر أقبل على الناس ، ثم تشهد ، فقال : أما بعد : فإنه لم يخفَ علي شأنكم الليلة ، ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل ، فتعجزوا عنها .
وهذا مِنْ رحمته صلى الله عليه وآله وسلم بأمته ، فهو صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم ، كما وَصَفَه ربُّه بذلك .
ولم يَتركها الناس ، فقد كانوا يُصلّون التراويح والقيام في رمضان ، إلا أنهم كانوا يُصلونها أوزاعاً مُتفرّقين .
روى البخاري عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي ابن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر : نعم البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون . يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله .
قال الإمام الزهري في التراويح : فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأمر على ذلك ، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنهما .
فكل الذي صَنَعه عمر رضي الله عنه أن جَمَع ما تفرّق ، ولم يُشرِّع ابتداء .
فَعُمَر رضي الله عنه لم يكن منه إلا أنه أحيا الأمر الأول ، وجَمَع الناس على إمام واحد بدل الفرقة والاختلاف ، فهل فِعل عُمر الذي يُعد عند العقلاء مَدْحاً صار عند هؤلاء قَدْحاً ؟!
قال ابن عبد البر : لم يَسُنّ عمر إلا ما رضيه صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يمنعه من المواظبة عليه إلا خشية أن يُفرض على أمته ، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، فلما عَلِمَ عمر ذلك مِنْ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعَلِمَ أن الفرائض لا يُزاد فيها ولا يُنقص منها بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم أقامها للناس وأحياها ، وأَمَرَ بـها وذلك سنة أربعة عشرة من الهجرة ، وذلك شيءٌ ذخره الله له وفضّله به . اهـ .
قال ابن رجب - في قول عمر رضي الله عنه : نعم البدعة هذه - : وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع ؛ فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية ، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لمـا جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال : نعمت البدعة هذه . اهـ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق